مصارف الخليج تتسلّح بالاندماجات في 2017 وسط لعنة أسعار النفط
تلاحق
لعنة أسعار النفط كلًا من المصارف فى منطقة الخليج والدول التى تمتلك حصصًا فى تلك
المصارف، وعلى الرغم من أن مصارف الخليج يُنظر إليها على أنها تتمتع بمعدلات رسملة
جيدة إلا أن ميزانياتها لا تزال مُنكشفة بشكل كبير على تقلبات سعر النفط، تلك التقلبات
التى تؤثر بشكل مباشر على الائتمان.
ولأن
تراجع أسعار النفط وتقلبها ألقى بظلاله على قطاع المصارف الخليجية خلال العام 2016،
اتجهت البنوك لمواجهة هذا التراجع بتقوية عضدها بالاندماج مع كيانات مصرفية وعمل كيان
أكبر، وهو الاتجاه المتوقع أن يستمر خلال العام 2017، وما يبرهن على ذلك محادثات الاندماج
فى أواخر ديسمبر من العام 2016 بين ثلاثة مصارف قطرية هى "الريان وبروة وبنك قطر
الدولي"، والذى من شأنه أن يساعد تلك المصارف على جذب رؤوس أموال دولية وإزالة
الحرج عن الحكومات الخليجية التى قد تعانى من ضائقة مالية حال أرادت التخارج من الاستثمار
فى تلك المصارف.
وذكر
موقع "جلف تايمز" أن تراجع أسعار النفط العالمية بأكثر من 50% منذ يونيو
2014، أجبر دول مجلس التعاون الخليجى الست، بين غيرها من كبرى الدول المنتجة للخام،
على ترشيد الإنفاق للحفاظ على عجز الميزانية عند حدود معينة.
• تقلّب أسعار النفط يُوحى لمصارف قطر والإمارات
وعُمان باستراتيجية الدمج
وفى
ديسمبر من العام المنصرم، قال فاتح بيرول، المدير التنفيذى لوكالة الطاقة الدولية،
إن أسعار النفط العالمية ستشهد مزيدًا من التقلبات فى 2017، رغم أن الأسواق ربما تستعيد
توازنها فى النصف الأول من العام إذا تم تنفيذ خفض الإنتاج الذى تعهد به كبار المنتجين.
واتفقت
منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" فى 30 نوفمبر الماضى على خفض إنتاجها
من النفط الخام بواقع 1.2 مليون برميل يوميًا إلى 32.5 مليون برميل يوميًا فى الستة
أشهر الأولى من 2017، إضافة إلى 558 ألف برميل يوميًا تعهد بخفضها منتجون مستقلون مثل
روسيا وسلطنة عمان والمكسيك.
وعلى
الصعيد المصرفي، دفع هذا التراجع البنوك نحو الاندماج لخفض التكاليف، وأصبحت موجة دمج
العمليات خطة مركزية لدول مجلس التعاون فى العام 2016.
ففى
قطر، وبإعلان كل من مصرف الريان وبنك بروة وبنك قطر الدولى عن نيتهم بشأن احتمال دمج
أعمالهم لتكوين كيان بنكى قوي، يتوقع أن ينتج عن هذا الاندماج حال حدوثه أكبر بنك إسلامى
فى قطر بقيمة أصول تزيد على 160 مليار ريال قطرى (بما يُعادل 44 مليار دولار أمريكي)،
ورأسمال يزيد على 22 مليار ريال قطري، وثانى أكبر بنك فى قطر بوجه عام، وثالث أكبر
بنك إسلامى فى الشرق الأوسط.
وكان
الرئيس التنفيذى لبنك الدوحة قد قال إن نقص السيولة فى قطر أصبح أكثر خطورة هذا العام
من الأزمة المالية فى عام 2008، جاء ذلك فى مايو الشهر الذى طرحت فيه الحكومة القطرية
سندات بقيمة 9 مليارات يورو.
وفى
الإمارات، وبنهاية ديسمبر 2016، وافق مساهمو كل من بنك الخليج الأول، وبنك أبوظبى الوطنى
على الاندماج المقترح بين البنكين، الذى سينتج عنه أكبر مؤسسة مالية فى دولة الإمارات
وإحدى كبريات الكيانات المصرفية فى الشرق الأوسط، بإجمالى أصول يبلغ نحو 655 مليار
درهم إماراتى (178 مليار دولار)، وسيتم اكتمال اندماج بنك الخليج الأول وبنك أبوظبى
الوطنى فى الربع الأول من 2017.
كما
تدرس إمارة أبوظبى خططًا لدمج بنك أبوظبى التجارى وبنك الاتحاد الوطني، وكذا دمج بنك
أبوظبى الإسلامى مع مصرف الهلال، بحسب ما ذكرته وكالة "بلومبرج".
أما
فى سلطنة عُمان، يناقش بنك ظفار وهو ثانى أكبر بنوك عُمان من حيث الأصول وبنك صحار
سبل الاندماج منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وحال اكتملت عملية الاندماج سيسيطر الكيان
الجديد على 19% من إجمالى أصول السوق المصرفية فى البلاد.
• تُخمة مصرفية
أحد
أهم العوامل التى تدفع بتسريع عمليات الاندماج المصرفى هو أن تواجه الدولة ظروفًا اقتصادية
صعبة، مثل حالات الكساد أو الأزمات المالية، فعلى سبيل المثال انخفض عدد المصارف العاملة
فى الولايات المتحدة على نحو كبير بعد الأزمة المالية نتيجة عمليات الاندماج والاتحاد،
أو عندما تتغير الأوضاع الاقتصادية الخارجية على النحو الذى يُحد من قدرة المصارف على
التوسّع، ولا شك أن الكيانات المصرفية فى الخليج بشكل عام تواجه حاليًا أوضاعًا داخلية
صعبة ناجمة عن تراجع أسعار النفط، المُحرك الرئيس لاقتصادات دول الخليج، حيث يتراجع
الإنفاق الحكومى ومن ثم معدلات نمو الناتج والدخول، فى ظل هذه الظروف يساعد الاندماج
الكيانات المصرفية الأكبر على النمو والتوسع وزيادة حصتها السوقية.
بالاندماج
ستنضم الشريحة السوقية للمصرفين فى مصرف واحد، وعندما يندمج مصرفان فإن الكيان الجديد
يستفيد من المزايا التنافسية التى كان يتمتع بها كل كيان مصرفى بمفرده قبل الاندماج،
فتكون النتيجة مزيجًا من المزايا التنافسية المتنوعة التى تعزّز الوضع التنافسى للكيان
المصرفى الجديد، لذلك يجمع المُراقبون على أن خطوة الاندماج دائمًا ما تولّد كيانًا
قويًا.
على
ذلك، يبدو أن منطقة دول مجلس التعاون الخليجى مُشبعة بالبنوك، فالإمارات التى يبلغ
عدد سكانها 9 ملايين شخص بها نحو 50 مؤسسة مالية، ولا يختلف الحال كثيرًا فى قطر التى
يصل عدد سكانها 2.6 مليون شخص، وبالرغم من ذلك بها 18 مصرفًا، ومن هنا تبدو استراتيجية
الدمج منطقية فى سوق مكتظة أصلًا بالبنوك، كما أنها ستساعد الكيانات المندمجة على خفض
التكليف والمنافسة للفوز بحصة سوقية أكبر، وكذا تقديم خدمات أفضل للعملاء.
وحاليًا
لا يشكل ارتفاع عدد البنوك فى الدوحة مشكلة، إذ تقف البلاد على أرض صلبة، بدعم التمويل
الحكومى فى إطار الاستعداد لاستضافة مباريات كأس العالم لعام 2022، وفى إطار خطة طموحة
لتحسين البنية التحتية بقيمة 200 مليار دولار، وهو ما يفسر مرونة المصارف القطرية مقارنة
بغيرها فى المنطقة فى مواجهة تقلب أسعار النفط.
ومن
الجدير بالذكر أنه ليس فقط البنوك من قامت بعمليات الاندماج، حيث اتخذت الحكومة القطرية
قرارًا بدمج شركتى "رأس غاز" و"قطر غاز" المملوكتين للدولة، فى
شركة واحدة، تلك العملية التى بدأت نهاية العام المنصرم وستستغرق عامًا.
ولأن
صناعة الخدمات المصرفية من أكثر الصناعات التى تتغير بيئة الأعمال فيها بسرعة، إما
بسبب التغيرات فى النظم والقواعد التى تعمل من خلالها المصارف، أو بسبب التطوّر التكنولوجي،
أو سرعة الابتكارات المالية وتنوعها، أو اشتداد المنافسة، وفى ظل هذه الضغوط يتوقع
أن تلجأ المصارف للاندماج أو الاتحاد فيما بينها، للتعامل مع بيئة الأعمال سريعة التغيّر.
إعداد/ هدى ممدوح
عدد (67)
