طفرة فى نصيب الاستيراد من السيولة .. والحكومة تلتهم 195 مليار جنيه


شهدت تحركات السيولة البنكية خلال شهرى اكتوبر ونوفبر 2016 تغيرات كبيرة، مع ما طرأ على السوق من تغيرات نتيجة اتخاذ قرارات ذات تاُير كبير وعلى رأسها تحرير سعر الصرف فى بداية نوفمب، وقد برز التغير فى تحرك الدفة تجاه فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الضرورية.

ومع زيادة تدفقات النقد الاجنبى للبنوك خلال نوفمبر ارتفعت عمليات فتح الاعتمادات لتغطى كافة طلبات استيراد السلع الأساسية، من جهة أخرى استطاعت الحكومة أن تحصل على 195 مليار جنيه من السيولة البنكية، فى الوقت الذى ارتبكت فيه عمليات الإقراض وتضاءلت حصتها نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق.
أما عمليات الانتربنك فقد ارتفعت بشكل كبير ، لاسيما وأن البنك المركزى أعاد تفعيل آلية الانتربنك الدولارى خلال نوفمبر، كما أن احتياجات البنوك من السيولة ارتفعت مع زيادة تدفقات النقد الأجنبى، وارتفاع طلبات تغيير العملة، إلى جانب كسر إيداعات كبيرة لدى عدد من البنوك التى تخلفت عن رفع سعار الفائدة، وهو ما رفع من مطلوبات العملاء، ومن ثم كان اللجوء للانتربنك من أجل تغطية طافة الطلبات دون تأخير.

وبالنظر بشكل تفصيلى إلى  فيم حصة عمليات فتح الاعتمادات المستندية من السيولة البنكية، فقد شهدت خلال الفترة محل العرض، تحركات ايجابية كبيرة، وذلك فى أعقاب قرار البنك المركزى بتحرير أسعار صرف العملة، حيث نتج عن القرار الذى اتخذه "المركزى" فى 3 نوفمبر زيادة تدفقات النقد الأجنبى إلى البنوك، ومن ثم تعزيز قدرتها على فتح الاعتمادات لاستيراد السلع الضرورية والهامة.

وفي الثالث من نوفمبر حرر البنك المركزي سعر صرف الجنيه المصري لينهي ربطه عند نحو 8.8 جنيه للدولار ورفع أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لتحقيق الاستقرار للجنيه بعد التعويم وسمح بعودة سوق ما بين البنوك وألزمها شفهيا بتمويل السلع الأساسية والأدوية ومستلزمات الانتاج فقط ،وكان السعر الاسترشادي المبدئي 13 جنيها للدولار لكن العملة المحلية نزلت بعد ذلك لتصل إلى نحو 16 جنيها للدولار.

وأخذ سعر الدولار يرتفع في البنوك المصرية خلال أول ستة أيام من تحرير سعر الصرف ثم بدأ في التراجع منذ التاسع من نوفمبر عندما خفض بنكا مصر والأهلي المصري أسعار شراء الدولار من المواطنين وتبعهما في ذلك بقية القطاع المصرفي في مصر.

وطبقًا لـ هشام عكاشة رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى، فإن البنك فتح اعتمادات مستندية بقيمة تجاوزت 800 مليون دولار منذ تعويم الجنيه وحتى نهاية نوفمبر، وقد انتهى البنك من تلبية جميع الطلبات المعلقة للسلع الأساسية وفتح اعتمادات مستندية لسلع غير أساسية أيضا.

وتمكنت البنوك من استعادة الدولار من السوق غير الرسمى نتيجة اعتماد أسعار مبنية على حركة العرض والطلب بعد تحرير الجنيه بعد فترة طويلة من تثبيت سعره رسمياً عند مستويات تقل كثيراً عن الأسعار السائدة فى السوق السوداء.

وفتح بنك "مصر" اعتمادات مستندية لتلبية احتياجات العملاء لعمليات التجارة الخارجية بنحو 870 مليون دولار بنهاية نوفمبر، وقد ارتفعت حصيلة البنك من العملات الأجنبية بعد تحرير سعر صرف الجنيه ارتفعت لتصل إلى 590 مليون دولار فى الأسبوع قبل الأخير من نوفمبر.

وبلغ إجمالى حصيلة القطاع المصرفى من العملات الأجنبية بعد تعويم الجنيه حتى نهاية نوفمبر نحو 3 مليارات دولار وفقاً لتصريحات طارق فايد وكيل محافظ البنك المركزى المصري، وبحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فقد تم ضخ  ما يزيد على 2.2 مليار دولار من قبل البنوك لتلبية احتياجات التجارة الخارجية.

وتعددت الاجراءات البنكية الرامية إلى تعزيز حصيلة النقد الأجنبى، والاجهاز نهائيًا على السوق السوداء، وكان من بين الاجرات إعلان بنك مصر عن اتجاهه لافتتاح 5 فروع جديدة لشركة "مصر- للصرافة"، ويصل عدد الفروع القائمة للشركة 16 فرعاً، ويستهدف البنك زيادتها إلى 25 فرعاً حتى نهاية العام المالى الحالى، على أن يصل إجمالى الفروع التابعة للشركة إلى 50 فرعاً بنهاية يونيو 2018.

وتأتى خطوة بنك مصر التوسعية فى سوق الصرافة تماشياً مع استعداد البنك الأهلى المصرى لتدشين شركة صرافة تابعة له مطلع العام المقبل، وذلك ضمن توجه البنوك الحكومية لتعزيز تواجدها وسط سوق الصرف.

وخلال شهر نوفمبر لم تتوقف تحركات البنوك القوية لفتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، بل إن هناك مصرفيين قالوا إن البنك المركزى أبلغ البنوك شفهيًا بإمكانية فتح الاعتمادات لاستيراد السلع غير الأساسية بعد الانتهاء من كافة طلبات السلع الأساسية المعلقة.

وثمّة شروط تلزم البنوك الراغبة في تمويل السلع غير الأساسية بضخ ما يوازي قيمة تمويل تلك السلع في معاملات ما بين البنوك (الانتربنك).
وتبذل مصر قصارى جهدها لجذب التدفقات الدولارية منذ ثورة 25 يناير وما أعقبها من قلاقل أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين وهما مصدران أساسيان للعملة الصعبة،وتأمل مصر في عودة الثقة بعد تعويم العملة.

وفيما يتعلق بعمليات الانتربنك، فقد شهدت حصتها من السيولة خلال الفترة محل العرض ارتفاعًا ملحوظًا، لاسيما بعد أن أعاد البنك المركزى تفعيل الانتربنك الدولارى بين البنوك، وقد ارتفعت كذلك عمليات الانتربنك بالعملة المحلية خلال الشهر وذلك يعود بشكل أساسى إلى الاقبال الكبير على العملاء حائزى الدولار على بيعه للبنوك ، ومع ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، وزيادة الطلبا بشكل غير معتاد ، إضطر بعض البنوك إلى استخدام عمليات الانتربنك لتوفير السيولة بالعملة المحلية لشراء الدولار.

وقد ارتفعت أسعار الفائدة على عمليات الانتربنك خلال نوفمير بشكل كبير، مع قيام البنك المركزى برفع أسعار الفائدة لديه 300 نقطة أساس، وهو الأمر الذى رفع من تكلفة الأموال على البنوك التى لجأت إلى عمليات الانتربنك، وقد شهد شهر نوفمبر زيادة كبيرة فى سحب المدخرات من بعض البنوك التى لم ترفع الفائدة بالشكل المناسب إلى البنوك التى طرحت شهادات بعوائد تصل إلى 20%، وهو أيضًا الأمر الذى تسبب فى زيادة ملحوظة فى عمليات الانتربنك، نظرًا لزيادة طلبات كسر الودائع من جانب العملاء.

ولعمليات الانتربنك أهمية كبرى فى توفير السيولة بين البنوك وبعضها، وإعادة تفعيل الانتربنك الدولارى تنتج عن وجود اختلاف فى احتياجات البنوك فيما بينها تجاه الدولار وذلكسيدفع البنوك التى لديها فائض من الدولار لبيعه إلى البنوك التى تعانى عجزًا، وقد جاء تفعيل الالية من جانب البنك المركزى فى الوقت الذى ألغى فيه العمل بآلية المزادات الدولارية.

أما عمليات الإقراض، خلال الفترة محل العرض، فقد شهدت ارتباكًا لاسيما خلال شهر نوفمبر، وقد نتج الارتباك بسبب ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة، فمع رفع البنك المركزى أسعار الفائدة 300 نقطة أساس، قامت البنوك برفع أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية، وكذا على الإقراض، وقد ارتفع متوسط أسعار الفائدة على الاقراض للشركات،بنهية نوفمبر إلى 16% مقابل 13.9% بنهاية اكتوبر، وهذا المستوى مرتفع بشكل كبير، وأدى إلى إرجاء عدد كبير من الراغبين فى الاقتراض قراراتهم، نظرًا لهذا المستوى العالى من الفائدة.

إلا أن البنوك برغم ارتفاع الفائدة قامت بتنفيذ عدد من التمويلات الكبيرة، إلا أنها كانت عمليات أقل كثيرًا من الشهور السابقة، والفترات المناظرة من العام السابق، كذلك فقد تأثرت قروض الافراد ( عمليات التجزئة) لاسيما مع ارتفاع معدلات التضخم، حيث ارتفعت أسعار كافة السلع بشكل مبالغ فيه، ومع ارتفاع أسعار الفائدة ، كان من الصعب أن تنمو عمليات التجزئة المصرفية بنفس النشاط الذى شهدته فى شهور سابقة.

لكن أيضًا لابد أن نشير هنا إلى أن البنك المركزى أعلن عن التزامه بأسعار فائدة مخفضة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ( 5% متناقصة)، وعمليات التمويل العقارى لمحدودى ومتوسطى الدخل ( 7% و8%)، وهو الأمر الذى كان حافزًا لاستمرار نشاط التمويلات العقارية ، خلال الفترة محل العرض، وذلك مع زيادة ما تطرحه الحكومة من وحدات سكنية بمشروع الاسكان الاجتماعى وكذا مشروع الاسكان المتوسط ( دار مصر)، كما أنه كان حافزًا لاستمرار نشاط تمويل البنوك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والذى يستهدف البنك المركزى أن يصل بمحافظ الائتمان لهذه المشروعا إلى 200 مليار جنيه خلال السنوات الثلاثة المقبلة.

ومن بين المشروعات التى استفادت من عمليات ائتمان الشركات خلال الفترة محل العرض ، مشروعات الدواء، حيث أفاد مسئولون بالبنك العقارى المصرى العربى أن البنك يقوم بترتيب قرض مشترك لتمويل أول مصنع دواء لعلاج أورام السرطان الذى يتم تأسيسة لاول مرة فى مصر.

وهو مشروع مشترك القطاع العام والخاص والانتاج الحربى بتكلفة استثمارية مبدئية 600 مليون جنيه،وطبقًا للمسئولين فإنه تم التفاوض بين البنك العقارى وبنوك الأهلى ومصر للمشاركة فى القرض.

وخلال اكتوبر وقعت 5 بنوك عقد تمويل بقيمة 150 مليون دولار لصالح شركة الوجه القبلى لإنتاج الكهرباء، ويستحوذ البنك الأهلى على 50% من التمويل بناءً على إمكانياته فى تدبير العملة الأجنبية، ويوزع باقى الحصص على البنوك المشاركة الأخرى ، وهى مصر والعربى والتجارى الدولى وقطر الوطني.

أما عمليات التجزئة المصرفية، فقد برز منها عمليات التمويل العقارى، التى تستفيد من مبادرة البنك المركزى، وطبقًا للبيانات المتاحة فقد بلغ حجم التمويلات المقدمة من البنك المركزى لعملاء مشروع الإسكان الاجتماعى 4.7 مليار جنيه،بنهاية نوفمبر، وذلك ضمن مبادرة البنك لتنشيط قطاع التمويل العقارى البالغة 10 مليارات جنيه.

ووفقًا للبيانات فإن التمويلات الممنوحة قدمها 14 بنكاً، هى التى شاركت فى المبادرة التى استفاد منها حتى الآن 59 ألف عميل بمشروع "الإسكان الاجتماعى" منذ إطلاق المبادرة عام 2014 .

وقد بلغ عدد العملاء الحاصلين على تمويل بلغ نحو 59 ألف عميل ضمن أول 7 إعلانات طرحتها "الإسكان" بمشروع الإسكان الاجتماعى لمحدودى الدخل، وتضم 85 ألف وحدة فى المدن الجديدة والمحافظات.

وتصدرت البنوك الحكومية الأربعة قائمة مانحى التمويلات بإجمالى 4.2 مليار جنيه، منها 1.8 مليار لبنك التعمير والإسكان و1.2 مليار للبنك الأهلى المصرى، و850 مليوناً لبنك مصر و428 مليوناً لبنك القاهرة ، فيما توزعت النسبة المتبقية على عدد من البنوك الخاصة، منها التنمية الصناعية، والمصرى الخليجى، والبنك التجارى الدولى، والاستثمار العربى، وبنك بلوم، والعربى الأفريقى.

وبالنظر إلى حصة أدوات الدين الحكومية من السيولة البنكية خلال شهرى اكتوبر ونوفمبر يبرز حصول الحكومة على ما يزيد على 195 مليار جنيه خلال الشهرين، تتوزع بين 94.8 مليار جنيه خلال شهر اكتوبر، و100.5 مليار جنيه خلال شهر نوفمبر، وقد تنوع طروحات الحكومة بين أذون الخزانة قصيرة الأجل والسندات طويلة الأجل، إلا أن الأمر الذى برز بقوة خلال الفترة محل العرض هو ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير على أدوات الدين الحكومية، وذلك كنتيجة مباشرة لارتفاع متوسطات أسعار الفائدة بالسوق.

واضطرت الحكومة إلى الاستمرار فى زيادة المطروح من أذون الخزانة خلال الفترة محل العرض، مع التوقعات بأن يرتفع عجز الموازنة العامة للدولة خلال العام المالى الجارى إلى ما يزيد على 320 مليار جنيه.

وقد اتخذت الحكومة فى الشهور الأخيرة عددًا من الاجراءات فى إطار برنامج الاصلاح الاقتصادى، من أجل مواجهة عجز الموازنة العامة للدولة، وعلى رأس هذه الاجراءات فرض ضريبة القيمة المضافة، وهى الضريبة التى من المنتظر أن تنعش الخزانة العامة بما يزيد على 20 مليار جنيه إضافية إلى الحصيلة الضريبية، كذلك فقد تم تقليص الدعم على المواد البترولية،وثمة إجراءات يتم اتخاذها من أجل إصلاح المنظومة التموينية، وكل ذلك يصب فى صالح إصلاح عجز الموازنة العامة.