تكهنات بزوال "العولمة".. وسياسات "ترامب" تنذر بحرب تجارية وشيكة

بدأ العالم الدخول فى حقبة جديدة وغامضة، فمع النجاح المفاجئ لـ"دونالد ترامب" فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهو الأمر الذى أثار معه قلقًا غير مسبوق فى العالم، بالإضافة إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى فى نتيجة استفتاء شهر يونيو الماضى، أصبحت الحركات الشعبية حول العالم تزداد قوة، كما أن فرنسا وألمانيا قد تقودان شروط الجدل السياسى فى العام الجديد.

وبالنسبة للاقتصاد العالمي، فإن هذه الأحداث لا تشكل استقرارًا على المدى قصير الأجل مما يعزز بتقلب سوقى العملة والأسهم، أما على المدى طويل الأجل تبشر بحقبة ستكون حركة التجارة فيها مقيدة وذلك للمرة الأولى منذ الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضى كما أن العولمة والتى حدَّدت عالمنا لعقود وحققت مزايا كبيرة للعديد بدأت فى المضى نحو تغيير مسارها والسير فى الاتجاه المعاكس.

وأعلن الرئيس المنتخب "ترامب" عن عزمه الانسحاب من اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ" (تى بى بي) الذى وقعته 12 دولة عام 2015 باستثناء الصين.. وأوضح ترامب أن اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ" يشكل كارثة محتملة بالنسبة إلى بلاده.. وأنه بدلًا منه سيتم التفاوض بشأن اتفاقات تجارية ثنائية وعادلة تعيد الوظائف والصناعة إلى الأراضى الأمريكية.. ومن ناحيته، يصف ترامب الصين على أنها بلد يتلاعب بالعُملة وتعهد برفع قضايا تجارية ضدها.
وفى هذه الأثناء، على الرغم من وجود آمال لدى البعض إلا أن المملكة المتحدة قد لا تكون تركت الاتحاد الأوروبى فحسب ولكنها ستترك سوقها الموحدة.

حتى أن بعض الأسواق الناشئة، والتى كانت من أكبر المستفيدين بالعولمة بدأت فى تبنى سياسات تجارية أكثر تشددية وفى هذا السياق، قال "جيرمى كوك"، كبير الخبراء الاقتصاديين بشركة "وورلد فيرست"، إننا شاهدنا حالات من سياسات أسعار الصرف التى غيّرت اتجاهها ناحية الحمائية فى الصين وماليزيا وكوريا على سبيل المثال".

وإن تأثيرات هذه الاتجاهات ضد التجارة الحرة والعولمة ستكون عميقة كما أنها ربما تكون كارثية بالنسبة للأفراد والشركات فى كل دولة فى العالم.

وأوضح "موريس أوبستفيلد" كبير خبراء الاقتصاد بصندوق النقد الدولى أنه من الضرورى الدفاع عن آفاق تزايد التكامل التجاري.

ومن ناحيته يرى صندوق النقد الدولى أن التجارة تعد أحد الجوانب المفيدة للعولمة.. ويتيح الحد من الحواجز التجارية العالمة قدر الإمكان للمنتجين فى كل بلد التركيز على المزايا التنافسية للبلد، والتعلم من خلال المنافسة العالمية، والاستفادة من وفورات الحجم. لذلك فإن ردود الفعل العنيفة من جانب السياسات تجاه التجارة سوف تؤدى إلى مشكلات، لاسيما أن تراجع الانفتاح والتنافسية فى العالم سيتسبب فى تباطؤ مكاسب الإنتاجية، مما يؤدى إلى تفاقم الضغوط المفروضة على دخول الطبقة المتوسطة والتى يتحفظ عليها منتقدو التجارة.. ولكن بيانات التجارة التى تستخدم أحيانًا فى تأكيد وجهة النظر بشأن بدء عصر اللاعولمة ليست مُبررًا للإحباط، على الأقل حتى الوقت الراهن.

وكان يبدو أن العولمة تمضى فى اتجاه واحد فقط لا رجعة فيه حتى الأزمة المالية حيث استفادت الشركات فى الغرب من قلة التكاليف والعائدات المرتفعة بعد أن تم نقل الإنتاج للخارج، فى حين تمتع المستهلكون بمزايا انخفاض الأسعار مما ساعدهم على الشعور بالمزيد من الرفاهية كما أن هذا الأمر أبقى معدلات التضخم تحت السيطرة.

وفى نفس الوقت شاهدت الأسواق الناشئة أسرع عملية تحول فى مستويات المعيشة فى التاريخ، ففى الصين تم القضاء على الفقر فى المناطق الحضرية وزاد دخل الفرد من 200 دولار فى عام 1990 إلى 5 آلاف دولار فى عام 2010.

وبعد ذلك حينما وقعت الأزمة المالية فى عام 2008، تراجعت مستويات المعيشة فى الغرب وتم خفض آلاف الوظائف وفى بعض البلدان تم خفض الضمان الاجتماعى كجزء من إجراءات التقشف.. وكان الاستياء العام واضحًا كما أن السياسيين من جميع الفصائل سعوا لاستغلال الموقف.. وفور هذه الأزمة، اتجه الغضب بشكل مباشر إلى القطاع المالي.

وأفاد "كارتيك سانكران"، الخبير الاستراتيجى بجموعة "أوراسيا"، أنه منذ التسعينيات والرأسمالية أصبحت عالمية مع التأثيرات التى خلفتها على توزيع الدخل.. ولم تظهر مشكلات الفجوة بشكل فورى فى الولايات المتحدة بسبب عنصر التعويض حيث كان الاستهلاك يتزايد بفعل ازدياد اقتراض العائلات.

وهناك تساؤلات فى الوقت الراهن تدور حول ما إذا كان الغضب الشعبى ضد العولمة عادلًا؟ وبالتأكيد أن العديد من الصفقات التجارية التى تمت مؤخرًا اتسمت بالخراب، وأن تحرير التجارة قد تكون له تأثيرات على تجارة أو صناعة معينة وفى بعض الحالات تكون مُتمركزة فى منطقة جغرافية خاصة، وفقًا لما أشار إليه "دوجلاس ليبولت" الخبير ببنك "إتش إس بى سي".. وبالنسبة لأحد الأشخاص غير العاملين فى مجال السيارات أو الصلب فإنه من الممكن أن يقع اللوم بسهولة على العمالة الرخيصة فى الدول النامية مما يُغرى السياسيين بإلقاء الوعود بعودة الوظائف إلى السوق الأم.

وقال "تتش توماسو"، الخبير الاقتصادى بشركة "ديلويت"، إنه على الرغم من ذلك فإنه لا يمكن أن يقع اللوم على العولمة، فقد شهد البعض ركود دخلهم ورواتبهم مع اختفاء الوظائف الصناعية فى بعض البلدان المتقدمة، فى حين أن السبب الرئيسى وراء ذلك هو التكنولوجيا.

ورغم أن مفهوم العولمة يعتبر غير واضح حتى الآن إلا أنه مفهوم بشكل عام على أنه يعنى منح قوى أكبر إلى رأس المال للتحرك حول العالم فى حين أن ما هو مناهض للعولمة يسعى لعودة القوى إلى القوى العاملة، وفقًا لمجلة "جلوبل فاينانس".

ويبدو أن حركة التجارة واقعة بالفعل تحت ضغوط، ففى السنوات التى أدت إلى الكساد العظيم فإن حركة التجارة مالت إلى النمو بشكل أسرع من إجمالى الناتج المحلى وفى بعض الأحيان كانت بأكبر من ضعفى الوتيرة.. وأصبح العالم معتمدًا بشكل أكبر على التجارة ولكن منذ عام 2015 أصبحت حركة نمو التجارة أبطأ من نمو إجمالى الناتج المحلى ويتوقع الخبراء استمرار هذا الاتجاه فى عام 2016 و2017 و2018.

وفى فترة ما بعد الأزمة حتى عام 2015، وجدت منظمة التجارة العالمية اتخاذ إجراءات حمائية جديدة وصلت فى النصف الأول من عام 2016 إلى 22 إجراءً شهريًا، كما أنه تم فرض قيود تجارية جديدة وصل عددها إلى 5072 منذ عام 2008 وحتى شهر أكتوبر عام 2015 وكانت معظمها إجراءات طفيفة إلا أنه كان لها تأثيرات تراكمية أثرت على نحو 5% من التجارة العالمية.
وإن تغير المناخ السياسى بعد نجاج "ترامب" وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى قد لا يؤثر على الفور على زيادة الإجراءات الحمائية إلا أنه سيدفع بالتعثر فى طريق تحرير حركة التجارة بشكل أكبر.

ويرى الخبراء أنه، إذا تم التحرك نحو اتجاه الحمائية، فإن المستهلكين سيتضررون من ارتفاع الأسعار مما سيدفع بتباطؤ الإنفاق والنمو، فى حين أن الإجراءات الانتقامية ستضر بالصادرات والتوظيف.. وعلى المدى طويل الأجل ستكون هناك تأثيرات سلبية على الأسواق الناشئة وفى أسوأ السيناريوهات ستكون هناك بداية لحواجز تجارية بين الصين والولايات المتحدة مما سيسفر عنه دمار كبير ويبقى الأمل فى أن يظل الوضع كما كان عليه أيام الحرب الباردة.
ويرى البعض أن "ترامب" سيركز بشكل رئيسى على الاقتصاد الأمريكي، وستشهد ولايته درجة أعلى من الحمائية الاقتصادية، ما قد يؤدى لحرب عُملات ونزاعات تجارية قوية، وسيؤثر ذلك فى نمو الاقتصاد الدولي.


ويتوقع بعض الخبراء أن العالم أصبح وشيكًا من اندلاع حرب تجارية بسبب وصول دونالد ترامب إلى الحكم فى الولايات المتحدة، فتعهد "ترامب" بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الصادرات الصينية، والضغط على الشركات الأمريكية للانسحاب من الأسواق الصينية وهو الأمر الذى سيدفع بكين إلى تبنى سياسات مماثلة.

كتبت/ أماني عبد الغني