العُملات الرقمية.. تكنولوجيا المستقبل في القطاع المصرفي

أربعة من أكبر البنوك العالمية قاموا بالتحالف معًا لتقديم عملات رقمية تستخدم فى المُعاملات المالية المصرفية، فعلى الرغم من أن المؤسسات المالية تستطيع شراء سندات أو أسهم دون انتظار عملية تحويل الأموال وفقًا للطريقة التقليدية، إلا أنها أصبحت بإمكانها الدفع بواسطة العملات الرقمية بل وتحويلها إلى نقد من قِبل البنوك المركزية وبالتالى يتم توفير الوقت والتكلفة.

 -        "البتكوين" عُملة افتراضية فى عالم افتراضي

أسهم الإنترنت فى تغيّر كبير لحياة الأفراد، وطريقة معيشتهم، ومن أبرز إسهامات الإنترنت هو العالم الافتراضي، باستلام وإرسال أشياء دون القدرة على مسكها بالأيدي، وتعتبر عملة الـ "بتكوين Bitcoin" إحدى نتائج تطور الإنترنت ووجوده كجزء أساسى فى حياتنا، والتى تم إطلاقها عام 2008، فهى عملة افتراضية لا يوجد لها أى شكل فيزيائي، وتختلف عن تلك العملة الموجودة فى البطاقات الائتمانية فى أنها غير مصدرة فى دولة معيّنة، ولا يتحكم فيها بنك مركزى معيّن وبالتالى فهى لا تخضع للرقابة، ولكنها تتشابه مع باقى العملات فى أنها تمكّن الفرد من البيع والشراء على شبكة الإنترنت أو أى متجر يقبل بتلك العملة.

وتعتبر السريّة ضمن خصائص عملة الـ "بتكوين"، مع بعض الشفافية فى أنه يمكن معرفة جميع العمليات التى تمت على محفظة وفى ذات الوقت لا يمكن معرفة أية معلومات عن صاحب المحفظة.

يتم انتاج الـ "بتكوين" عن طريق عملية تسمى بالتنقيب "Mining"، من خلال المستخدمين، ولكن لهذه العملة ميزتها الخاصة التى تحافظ على قيمتها فى أنه يُسمح فقط بإنتاج 21 مليون عملة "بتكوين" حول العالم ولا يمكن انتاج أكثر من ذلك، لكن فى نفس الوقت يُسمح بإنتاج مئات الملايين من أجزاء العملة والتى يطلق عليها اسم "ساتوشي".

وتتراوح قيمة الـ "بتكوين" بين 550 دولارًا و600 دولار، وفى أواخر نوفمبر 2013، عاش مالكو عملة "بتكوين" فى العالم لحظات غير مسبوقة، بعد أن قفزت قيمة الوحدة الواحدة من هذه العملة لتتخطى حاجز الـ 1000 دولار أمريكي.

وتوجد طريقتان للحصول على الـ "بتكوين"، إما باستخراجها عن طريق الحصول على جهاز حاسب آلى بقدرات مرتفعة وتشغيله بطريقة معينة لمدة طويلة، أو شرائها مباشرة من أحد المتاجر الإلكترونية الخاصة بذلك.

أما إذا كان الفرد يمتلك بالفعل عملات "بتكوين" ويريد تحويلها لأموال نقدية كالدولار الأمريكي، فإنه يمكنه فعل ذلك بسهولة من خلال المتاجر الإلكترونية المتخصصة فى ذلك.

ومن يمتلك عملة "بتكوين" يكون لمحفظته مفتاح خاص، وفى حالة الاستيلاء على هذا المفتاح تكون الأموال فى خطر، لأنه يمكن الدخول على المحفظة وسحب تلك الأموال إلى حسابات أخرى.

وبحسب شركة "Dell"، فإن هناك 140 فيروساً يحاولون سرقة الـ "بتكوين"، كما تستهدف 22% من البرمجيات الخبيثة الاستيلاء عليها.

ويروّج المتعاملون بعملة الـ "بتكوين" أنها عملة آمنة، ولكن يجدر الإشارة إلى أنها ليست آمنة بدرجة كبيرة، خاصةً أنه فى أغسطس الماضي، تعرضت مؤسسة بيفاينكس "BITFINEX" البريطانية وهى واحدة من أشهر وسطاء عملة "بتكوين" لاختراق أمنى وتمت سرقة 120 ألف عملة "بتكوين" كانت تقدّر وقتها بحوالى 72 مليون دولار أمريكي، وعلى إثرها هبطت قيمة العملة الرقمية بنسبة 20%.

كذلك كانت قد تعرضت عملة الـ "بتكوين" لأكبر اختراق خلال عام 2014 حيث تمت سرقة 480 مليون دولار من منصة "إم تى جوكس" اليابانية للتداول الإلكتروني، وتم إعلان إفلاسها عقب ذلك.

-        "البتكوين" ليست العُملة الرقمية الوحيدة

أصبحت هناك عملات إلكترونية أخرى عبر الإنترنت غير الـ "بتكوين"، بل إن البنوك تسعى لأن يكون لها عملاتها الرقمية خلال الفترة المقبلة، وفق ما ذكرته وكالة "CNBC" الأمريكية.

ويكمن السبب وراء استخدام البنوك للعملات الرقمية فى تسهيل المعاملات بين البنوك الرئيسية التى تكون معقدة فى بعض الأوقات، وتسريع الإجراءات وكذلك خفض التكاليف، لا سيّما أن تكاليف عمليات المقاصة والتسويات المالية بين البنوك تتراوح بين 65 مليار دولار و80 مليار دولار سنويًا.

وبالتالي، فإن تكنولوجيا العملات الرقمية المشفّرة والتى تشمل "البتكوين"، تتداول إلكترونيًا عبر شبكة الحواسيب المركزية.

وبخصوص البنوك التى تستهدف استخدام العملات الإلكترونية، فهى 5 بنوك تتضمن يونايتد بنك أوف سكوتلاند "UBS" الاسكتلندي، و"دويتشه بنك" الألماني، و"ستاندرد تشارترد" البريطاني، وشركة الوساطة المالية البريطانية "آى كاب ICAP"، علاوة على "بنك نيويورك ميلون" الأمريكي.

هناك أيضًا مؤسسات أخرى تعمل لأن تكون لها عملاتها الرقمية المشفّرة هى "SETL"، و"سيتى بنك" الأمريكي، ومصرفى "جولدمان ساكس"، و"جى بى مورجان" الأمريكيين.

 -        البنوك المركزية تبحث فوائد ومخاطر العملات الرقمية

لأن كل شيء ينطوى على مخاطرة، تبحث حاليًا عدة بنوك مركزية مخاطر وفوائد العملات الرقمية، وهى "بنك الاحتياطى الفيدرالي" الأمريكي، و"بنك انجلترا المركزي"، و"بنك كندا المركزي"، فى ظل وجود مخاطر تتعلق بأمان النظام المصرفى واستقرار القطاع المصرفى بعد عدة اختراقات خلال الفترة الماضية لشركات تتعامل فى "البتكوين" ترتب عليها إفلاسات لشركات وأفراد.

وبالنسبة لتشريعات الدول، فإن اليابان تخطط لجعل العملات الرقمية قانونية، كما تعد ألمانيا الوحيدة المعترفة بالعملات الرقمية.

وعلى الرغم من الغموض الذى يكتنف عالم العملات الافتراضية، إلا أن الخبراء الماليين من الداعمين لهذا النوع من العملات يعتقدون أنها تمثل الطفرة التكنولوجية القادمة فى عالم المال، ويشير هؤلاء إلى قائمة موسعة من السلع والخدمات، بدءًا من وجبات البيتزا إلى الدورات الجامعية، التى يمكن سداد تكاليفها باستخدام عملات رقمية، كما يعتقدون أنه مع مرور الوقت، ستزداد أعداد مستخدمى العملات الافتراضية بشكل كبير.

وبرغم أنه لم تشهد الصناعة المصرفية العالمية بعد انتشارًا للعملات الرقمية بين البنوك المركزية، إلا أن القائمين على الصناعة حددوا العام 2018 كعام البدء فى انتشار تلك العملات وتداولها بين كبرى بنوك العالم.

 لمحة تاريخية عن عملة "البتكوين"

-   طرح شخص أطلق على نفسه الاسم الرمزى ساتوشى ناكاموتو فكرة العملة "بتكوين" للمرة الأولى فى ورقة بحثية فى عام 2008، ووصفها بأنها نظام نقدى إلكترونى يعتمد فى التعاملات المالية على مبدأ الند للند "Peer-to-Peer" ، وهو مصطلح تقنى يعنى التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط.

-      يقول القائمون على العملة "بتكوين" إن الهدف من هذه العملة التى طرحت للتداول للمرة الأولى سنة 2009 هو تغيير الاقتصاد العالمى بنفس الطريقة التى غيرت بها الويب أساليب النشر.

-     فى عام 2016 أعلن رجل الأعمال الأسترالى كريج ستيفن رايت أنه هو ساتوشى ناكاموتو مقدمًا دليلا تقنيا على ذلك ولكن تم كشف زيف أدلّته بسهولة.


-    لضمان السير الحسن لعمليات التحويل، تقوم العملة "بتكوين" بالاحتفاظ بسجل حسابات تُسجل فيه جميع الإجراءات التى تتم على الشبكة يُطلق عليها اسم سلسلة الكُتل "block chain"، حيث تحتوى سلسلة الكُتل على جميع الإجراءات التى تمت باستخدام العملة "بتكوين"، وهو ما يُمكن من معرفة الرصيد الذى يملكه كل عنوان على هذه الشبكة، ويُطلق على هذا المفهوم وصف السلسلة للترابط المتواجد ما بين الكُتل، حيث تحتوى كل كُتلة على هامش الكُتلة التى تسبقها ويتواصل الأمر إلى غاية الوصول إلى الكُتلة الأولى التى يُطلق عليها اسم "كتلة التكوين" أو "genesis block"، وتكوين السلسلة بهذه الطريقة يجعل من مهمة تغيير أى كُتلة بعد مرور مُدة مُعينة على إنشائها أمر فى غاية الصعوبة، حيث أن تغيير أى كُتلة يتطلب تغيير كل الكُتل التى تليها بسبب الحاجة إلى إعادة حساب كل كُتلة لتحديث قيمة الكُتلة السابقة فيها.
كتبت/ هدي ممدوح