"فرانكفورت.. باريس.. ودبلن" تستقطب مصرفيي لندن مع بزوغ مراكز مالية جديدة في أوروبا



لم تُضيّع المراكز المالية فى أوروبا وقتًا فى مُغازلة المصرفيين فى لندن حيث بدأت باريس حملتها بشعار "مرحبًا بكم فى أوروبا" وكان هذا حتى قبل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء وبعدها تبنَّت شعار "حان الوقت للتحرك والانتقال"، حيث بدأت تبحث كل من فرانكفورت ولوكسمبرج ودبلن وأمستردام عن فرص لاستقطاب أنشطة وأعمال من بريطانيا وذلك فى الوقت الذى ازدادت فيه الرغبة فى الانتقال خارج لندن.

وأعلنت خمسة من أكبر بنوك العالم أنها ستنقل موظفيها خارج لندن وذلك مع استعدادها لحدوث المزيد من الاضطرابات التى تسبّب فيها قرار المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وتتضمن البنوك كلًا من بنك "جولدمان ساكس" ومجموعة لويدز المصرفية وبنك "يو بى إس" وبنك "إتش إس بى سي" والتى تسعى جميعا إلى نقل مئات الموظفين خارج لندن ومتوقع فقدان كثير من الوظائف.

ويعتزم بنك "جولدمان ساكس" نقل نحو ألف موظف منهم كبار مصرفيين من لندن إلى فرانكفورت وذلك كجزء من خطته لتقليل العدد إلى النصف، وفقًا لتقرير أصدرته صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية مؤخرًا.

وسينتقل آخرون إلى نيويورك وفرنسا واسبانيا وبولندا، وسيخفض بنك "جولدمان ساكس العدد الإجمالى فى لندن من 6 آلاف إلى 3 آلاف.

ويُخطط البنك أيضًا إلى تأسيس شركة تدرج أسهمها فى بورصة فرانكفورت لتكون أساس كل أنشطته الأوروبية، وفقًا لأحد المصادر المطلعة على الأحداث.. وظهرت فرانكفورت كأفضل اختيار بسبب وجود مقر البنك المركزى الأوروبى بها.. وقال المتحدث باسم "جولدمان ساكس" إن البنك لم يحسم قراره بعد فى هذا الأمر.

ومن المتوقع أن تختار أيضًا مجموعة لويدز البريطانية فرانكفورت كقاعدة لها للوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.

وسيقوم البنك بتحويل فرعه الألمانى إلى إحدى المؤسسات التابعة ويخطط إلى نقل عدد ليس بالكثير من الوظائف إلى ألمانيا ولكن لايزال الوقت مبكرًا للقيام بمثل هذا التغيير بالنسبة إليه.. وأوضحت "بلومبرج" أن البنك لم يتوصل لقرار نهائى بعد.

وأضافت أن مجموعة "لويدز" التى يوجد أغلب أصولها فى بريطانيا- مازالت تكافح من أجل الحفاظ على عملائها من الاتحاد الأوروبى والحفاظ على الوصول إلى نظام المدفوعات الأوروبي.

وفى هذه الأثناء، قال "أكسل فيبر" رئيس بنك "يو بى إس" إن حوالى ألف من نحو 5 آلاف موظف للبنك السويسرى فى لندن سيتأثرون بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقا لرويترز.

وأعلن بنك "يو بى إس" فى شهر ديسمبر الماضى عن اعتزامه تأسيس مركز لإدارة الثروات فى فرانكفورت، وقال "فيبر" إن قاعدة البنك العريضة فى قارة أوروبا تعطى البنك خيارات فى حالة احتياجه لنقل موظفين من لندن إلى مواقع أخرى.

من جانبه، صرح "ستيوارت جاليفر" المدير التنفيذى لبنك "إتش إس بى سي" بأن البنك يعتزم نقل موظفين من بريطانيا إلى باريس وأنه يمتلك كافة التراخيص التى يحتاجها لمثل هذا الانتقال، وأنه سيحتاج فقط لتأسيس ما يطلق عليه شركة قابضة وسيطة فى فرنسا، وهى خطوة تستغرق شهورًا فقط.

وأفاد رئيس مجلس البنك "دوغلاس فلينت" بأنه إذا فقدت بريطانيا ميزة التنقل الحر مع دول الاتحاد الأوروبي، فإن أكثر من ألف وظيفة سوف يتم نقلها من لندن إلى فرنسا أو هولندا أو أيرلندا.

وقال إنه ينبغى اتخاذ إجراء وقائى من أجل التأكد من مواصلة القدرة على إيصال الخدمات فى مختلف المجالات.
وعلى عكس هذا الاتجاه، قال "جيس ستالي"، الرئيس التنفيذى لبنك باركليز"، إنه ستكون هناك صعوبة بالغة لنقل مركز مالى مثل لندن إلى مكان آخر.

وأضاف أن البنوك ستحتاج اإلى رؤية واضحة حول فترة انتقالية لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وفى حوار له مع راديو الـ«بى بى سي»، قال "ستالي" إن بنك باركليز سيحافظ على معظم أنشطته فى بريطانيا بعد ان تنفصل عن الاتحاد الأوروبي.

من ناحيتها، قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى إن بلادها ستصير بطل العالم للتجارة الحرة بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي.. وأكدت أن بريطانيا مفتوحة أمام الاستثمار وستظل كذلك دائمًا.. وشددت على عزم الحكومة البريطانية خفض الضرائب على الشركات كما أكدت على دعم الأسواق الحرة والتجارة الحرة.

الجدير بالذكر أن كبرى المؤسسات المالية حذرت كثيرًا قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى أن هذا الأمر قد يؤدى إلى نقل العديد من الموظفين فى القطاع المصرفى إلى خارج البلاد إذا تم التصويت على ترك الاتحاد الأوروبي.. وتكهن محللون ومصرفيون فى القطاع المالى أن البنوك قد تستهدف باريس أو فرانكفورت أو دبلن لتكون مراكزها الأوروبية الجديدة.

وذكرت صحيفة “ديلى ميل” البريطانية أن أكثر من 70 ألف وظيفة مصرفية مهددة بالتبخر من حى المال فى لندن، كما أن المدينة قد تفقد مركزها كعاصمة مالية فى أوروبا.

وقال أنتونى براوني، رئيس جمعية المصرفيين البريطانيين، إنه على بريطانيا التفاوض بشأن ترتيبات انتقالية مع الاتحاد الأوروبى لتجنب اضطرابات “اللحظة الأخيرة” فى الأسواق حالما تخرج البلاد من عضوية الاتحاد.
وأضاف أن ذلك سيزيل الضبابية ويخفف الضغوط التى تتعرض لها البنوك لتقرر الآن نقل عملياتها إلى أوروبا، لأن ذلك يحتاج لما يتراوح بين عامين وثلاثة أعوام أو أكثر.

ويتوقع "جيريمى براون" المبعوث الخاص لمؤسسة حى المال فى أوروبا، أن يخسر القطاع المالى فى لندن ما يصل إلى 10% من الوظائف، إذا فشلت بريطانيا فى تأمين وصول ملائم إلى أسواق الاتحاد الأوروبى عقب الانفصال.

ومن المتوقع أن تقوم بنوك وشركات فى قطاعات آخرى بالإعلان عن المزيد من الخطط لكيفية التكيف والتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى خلال الأشهر المقبلة.

ويرى محللون أن قرار التصويت بمغادرة الاتحاد الأوروبى لن يؤثر فقط على 1.2 مليون شخص يعملون فى بريطانيا بالقطاع المالى والخدمات المتعلقة به مثل المحامين والمحاسبين ولكن سيؤثر أيضًا على كل بريطانى يستفيد بشكل غير مباشر من الفائض التجارى الذى حققته الخدمات المالية فى العام الماضى والتى بلغت قيمته 63 مليار جنيه إسترليني.. وأضافوا أن الأمر سيؤثر سلبًا على البنوك ومدراء الصناديق وشركات التأمين والمؤسسات المالية التى ظلت لعقود تستفيد من الخبرة البريطانية والأسعار التنافسية فى قطاع الخدمات المالية فى لندن.

وأشار البعض إلى أن المدى الذى ستفقد فيه بريطانيا الأعمال سيعتمد بشكل كبير على مستقبل المفاوضات بينها وبين الاتحاد الأوروبى خاصة الاتفاق المتعلق برغبة الحكومة البريطانية فى استعادة السيادة والسيطرة على الهجرة من جهة ورغبتها فى الحفاظ على وصولها للأسواق الأوروبية من جهة أخرى.. ويعتمد ذلك بشكل أكبر على كيفية إصرار بروكسل على معاقبة مصالح المملكة المتحدة من أجل عدم تشجيع دول أوروبية أخرى من مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة لمدينة "لندن" فإن المعضلة الرئيسية ستكمن فيما كانت البنوك والمؤسسات المالية فى بريطانيا ستحتفظ "بحقوق المرور" والتى ستمكنهم من بيع خدماتهم فى الاتحاد الأوروبي.. وقد أعربت بعض البنوك ومنهم باركليز عن ثقتهم فى أن لندن ستظل مركزًا رئيسيًا للأسواق المالية رغم خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، فإن كل بديل للندن لديه عوامل جاذبيته الخاصة، فباريس على سبيل المثال تعتبر البلد الأم لأربعة من أكبر بنوك أوروبا بعد لندن كما أنها تحظى بأكبر عدد من العاملين فى المجال المالى وفى مجال التأمين وفقا لتقديرات مؤسسة "أوكسفورد ايكونوميكس" ولكن ارتفاع الضرائب فى فرنسا وتكلفة العمالة قد يكون عائقًا بالنسبة إليها.

وأشارت تقارير صحفية بريطانية إلى أن مجموعة "سيتى جروب" تعقد محادثات مع الجهات التنظيمية المالية فى ألمانيا حول إمكانية التواجد فى فرانكفورت والتى يوجد بها مقر اثنين من أكبر المؤسسات المالية الألمانية.. ولكن أيضًا ارتفاع الضرائب يعتبر عاليًا نسبيًا مقارنة ببلدان أخرى كما أن العديد من اللاعبين المصرفيين فى العالم أظهروا عدم رغبتهم فى الانتقال إلى فرانكفورت بسبب عدم ملاءمة نمط الحياة وتوافر المساكن والمدارس المناسبة وفقًا لهم.

وانتقالًا إلى "دبلن"، فإنها تحظى بميزة ضرائب أفضل وأيضًا بروكسل التى بزغ نجمها كمركز مالى دولى يحظى نظامه بضرائب غير مرتفعة وهو الأمر الذى تفضله الشركات الأجنبية والأشخاص الأثرياء وذلك بالإضافة إلى قوة النظام المصرفى الخاص لديها وإدارة الصناديق.. ولكن هذه الميزة الضريبية قد تقع تحت ضغوط من منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية "OECD" ومن الاتحاد الأوروبي.. ولكن من جهة أخرى ليس لهذه البلدان الأوروبية المنافسة البنية التحتية أو المساكن أو النظم التعليمية المُلائمة التى يجدها المصرفيون فى لندن.

مؤشر المراكز المالية العالمية
التصنيف        المؤشر المدينة
1        795    لندن
2        794    نيويورك
3        752    سنغافورة
4        748    هونج كونج
5        734    طوكيو
6        720    سان فرانسيسكو
9        716    زيوريخ
12      711    لوكسمبرج
19      695    فرانكفورت
23      689    جنيف
29      672    باريس
31      663    دبلن
33      659    امستردام
53      624    ميلانو
بيانات شركة " house Z/Yen"

إعداد-أمانى عبد الغني